مقالات و تحليلات

درء لـ”عنوسة” لغة الضاد / الولي سيدي هيبه

الولي سيدي هيبه / كاتب صحفي ومحلل سياسي

“هل يدرك أهل الضاد دقة المنعرج و عواقب خطورة التخلي عن الهوية اللغوية فيتخلصون سريعا من أوهام الوهن و عقدة التآمر و ينصرفوا عن المعارك”الدونكيشوتية” في ساحات الطواحين الهوائية التي ولى زمانها.”

ليست إطلاقا معاناة اللغة العربية من تلقاء كينونتها الرفيعة التي قضى بها رب العالمين “لسان عربي مبين” بل و إن مصدرها معاناة الناطقين بها بما سببوه لأنفسهم من تقهقر

 

 و تبلد و استهتار و هجرها على غير هدى إلى غيرها. على الرغم من ذلك فإن العالم يكن لها احتراما لا يخفى و يتهافت إلى تعلمها أنى وجد إلى ذلك سبيلا. و لا أدل على هذا الأمر من أن كل دول العالم المتطورة و ذات الشأن الثقافي و الفكري و الابداعي يتبنى لها أقساما يحيطها بعناية فائقة و يوليها أكبر مهام نشر ثقافته و تميزها بواسطة معانيها الجميلة و سيميائتها العالية التي تذهب إلى أبعد من العلامات اللغوية أنساق إلى العلامات و الأدلة و الرموز الطبيعية و الصناعية من نحت أفهام أهلها المحصنة ذات المدد الرباني من معجز القرآن الكريم.

فكيف إذا للغة يكرمها العالم بيوم خاص لها في كل عام أن تكون على ألسنة أبنائها محاصرة من قبل أعداء “وهميين” أو بالأحرى “توهميين” يتربصون بها كأن لا لغات لهم يجلونها و يسعون دائبين إلى الرفع من شأنها؟ أعتقد أن الأمر الملتبس على العرب هو ما يسبب لهم الإضراب بشأن لغتهم العظيمة بكل المقاييس و يفقدهم بوصلة الاعتناء بها و الاهتداء إلى نوافذ ترقيتها بما يقتضيه و يتطلبه مجرى العصر و علميته و سرعته و تواصل اللغات فيه و تقارب الشعوب عبر وسائل تعجز الأذهان عن إدراك كل أبعادها بما تملي و تفرض من منطق موحد و منهجية مشتركة. هنا يكمن كل إشكال الحفاظ على اللغة و ضرورة الانتفاع بها أكثر من خلال فتح كل خطوط منع “عنوستها” و التلاقح أمامها لإثرائها حتى تزداد قوة و زادا من عطاءات اللغات من حولها فتزداد بالمقابل عطاء و إثراء.

إن الصينية  (المانداران Mandarin) لغة زهاء تسع مائة مليون من أهل الصين و التي  لا حروف أبجدية لها بالمعنى المتعارف عليه في أغلب لغات العالم، تعتمد لتجسيد واقع النطق على الألسن بالرموز “Sinogramme” تستقطب اليوم لتعلمها و الاستفادة بثروتها الفلسفية التأملية و الأدبية العارمة “conficius” و العلمية “المتألقة” بسرعة و ضياء سنا البرق الجامح في كل المجالات برا و بحرا و فضاء و طبا و فنا و صناعة و تجارة. لا أحد اليوم يعادي الصينية بل و يحترمها و يقدر أهلها الذين لم يضيعوها و قد أحدثوا لضرورات التكيف و التطور و الحداثة  تعديلات كبيرة و بسطوا معقدا و ألحقوا بمتنها ما يثريها و يختزل الطريق أمان كسب المعارف و العلم بأسرع وقت و أقل جهد من التكلف و التقعر اللذين لم يعد العصر يعبأ بهما. و هو ذات المنهج المجرد من عقد النقص الذي اتبعه الألمان حتى خف وزنها و اشتدت قوة استيعابها طوفان المعارف الجارف الذي تبدع في مُخرجه و ترعى منتهاه و تطور ملحقه و تدفع إلى كل أفق بكر.

و بالطبع تطول لائحة الشعوب التي رفعت من أرصدة لغاتها كـ”الفيتناميين” الذين ما كانوا إلى غاية تحررهم من الفرنسيين و الأمريكيين الغزاة يحسنون تركيب جملة تفيد معنى كاملا، فعكفوا على لغة حتى أصبحت اليوم لغة علم ضمن لغات النمور الأسيوية. و لا سبيل إلى تجاهل المثال التركي في الحفاظ و الإثراء و التطوير للغة التركية التي تضاهي في سماكتها و حسن أدائها اللغات الأروبية وتنافسهم في الإنتاج العلمي و الأدبي و الفني.

إنها مجرد أمثلة تضع اليوم أهل الضاد أمام واقع ضعفوا عن حمل لغة حملت العرب عاليا على أكتافها و رفعت عناوين شعوب بشحنتها الربانية إلى قمة السؤدد و هي ترد لها الجميل ما استطاعت إلى ذلك سبيلا بحبها و بالسعي إلى إقتنائها مدينة و مبهوروة و مجلة.

فهل يدرك أهل الضاد دقة المنعرج و خطورة عواقب التخلي عن الهوية اللغوية فيتخلصون سريعا من أوهام الوهن و عقدة التآمر و ينصرفوا عن المعارك”الدونكيشوتية” في ساحات الطواحين الهوائية التي ولى زمانها إلى معركة إثبات الوجود و القدرة على توصيل الحاضر المضيء بالماضي الذي لمع يوما فهيأ الأرضية صالحة لقفزة الإنسان إلى كل فضاءات العلم و المعارف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى