مقالات و تحليلات

مقال: الجرائم الفرنسية في القارة الإفريقية (1) / بقلم:د.عبد اللطيف طلحه

د.عبد اللطيف طلحه

يال هذا الظلم الذي يحيط بقارتنا السمراء من دعاة الديمقراطية وحقوق الإنسان يقتلون القتيل ويمشون في جنازته ،كم هي كثيرة حجم المآسي التي تعيشها هذه القارة ، من سرقة خيرات الدول مروراً بالاستعباد وصولا إلى جعلهم فئران تجارب للدواء ، فعلى الرغم من تمتع كافة دولها بالاستقلال عن الاستعمار منذ أكثر من خمسين عاما ، فإنه وحتى الأن يُعد استقلالا شكليا ،حيث تُجبر دول كل من ” بنين، بوركينا فاسو، غينيا بساو، ساحل العاج، مالي، النيجر، السنغال، توجو، الكاميرون، جمهورية إفريقيا الوسطى، تشاد، جمهورية الكونغو، غينيا الاستوائية، الجابون ) أى ما عدده 14دولة إفريقية، من خلال اتفاق استعماري، على وضع 85 % من احتياطاتها الأجنبية في البنك المركزي بباريس، وتحت سيطرة الوزير الفرنسي للرقابة المالية، فمنذ عام 1961 وعقب توقيع تلك الاتفاقية، أصبحت هذه الدول برغم تحررها من الاستعمار مقيدة بدفع استحقاقات البنية التحتية التي أقامتها فرنسا بها خلال استعمارها لها وفقا لما تحدده باريس ، هذا فضلا عن أنها مجبرة على استخدام العملة الفرنسية للمستعمرات (الفرنك الإفريقي)، هذا بالإضافة إلى العديد من الشروط الإجحافية التي تجد أمامها الدول عاجزة حتى عن المضي خطوات نحو التقدم.

أما الرؤساء الأفارقة فحدث ولا حرج عن أولئك الذين حاولوا الاعتراض على الاتفاق أو محاولة تعديله، كما ذكر تقرير نشرته وكالة بلوم برج الأمريكية عن الاستعمار الفرنسي فى القارة السمراء، فقد تعرضوا للتصفية عبر الاغتيال أو كانوا ضحية لانقلابات عسكرية مدعومة فرنسية، وأما الخانعون منهم فهم مدعومون، وتكافئهم الحكومة الفرنسية بحياة من الرفاهية والغنى، بينما شعوبهم غارقة فى الفقر والبؤس والمجاعات والمرض ، وأضاف التقرير أن فرنسا غير مستعدة لإزالة نظامها الاستعماري الذى يضخ قرابة 500 مليار من إفريقيا إلى خزانتها سنة بعد سنة .

الاستراتيجية التي اتبعها فرنسا في تثبيت أقدمها في إفريقيا بعيداً عن الاستعمار بمفهومه القديم، تمثلت فى تقديم المساعدة للوصول إلى الحكم لأشخاص يعرف عنهم ولاءهم الشديد لها، زيادة على عمليات الاغتيال والتصفية الجسدية لكل زعماء الحركات التحررية والوطنيين، ولمن عُرف عنه انتماؤه الوطني ودفاعه المستميت عن مبادئ الاستقلال التام عن باريس من أبناء القارة ورفضه لكل أشكال الاستغلال.

خلال الخمسين عاما السابقة ولغاية 2010م حدث ما مجموعُه 67 انقلابًا في 26 دولة إفريقية، 16 منها كانت ترزح تحت الاستعمار الفرنسي، ما يعنى أن ٪61 من الانقلابات حدثت في إفريقيا الناطقة بالفرنسية، وهذا يثبت أن تلك الانقلابات حدثت بتدبير فرنسي محض وإليك بعض من ذلك :

أولاً : أن رئيس ساحل العاج “لوران غباغبو” عندما حاول إنهاء الاستغلال الفرنسي لبلاده، دبَرت فرنسا انقلابًا للإطاحة به، وتدخلت الدبابات والطائرات الفرنسية والقوات الخاصة مباشرة فى الأزمة وأطلقت النار على المدنيين وقتلت الكثيرين، وبعد نجاح الانقلاب ونقل السلطة إلى “الحسن أوتارا”، طلبت الحكومة الفرنسية من أوتارا دفع تعويضات لمجتمع رجال الأعمال الفرنسي لخسائرهم خلال الحرب الأهلية، وفى الواقع فإن حكومة أوتارا دفعت لهم ضعف ما فقدوه جراء مغادرة البلاد.

ثانيا : عندما قرر سيكوو تورى رئيس غينيا عام 1958التحرر من الاستعمار الفرنسي، واختار استقلال دولته، غضبت النخبة الاستعمارية فى باريس، وقامت الإدارة بتدمير كل شيء فى غينيا له علاقة بالاستعمار ويمثل امتيازات وغادر ثلاثة آلاف فرنسي البلاد، حاملين كل ما يمكنهم من أملاكهم ومدمرين لكل ما لا يستطيعون حمله، كالمدارس، وحضانات الأطفال، والمباني الإدارية ؛ كذلك السيارات، والكتب، والأدوية، ومعدات مراكز الأبحاث، والجرارات الزراعية تم سحقها وتخريبها؛ أما الخيول، والأبقار فى المزارع فقتلت، والطعام فى المخازن تم حرقه أو تسميمه، الغرض من هذا الفعل الشنيع هو إرسال رسالة واضحة لكل المستعمرات الأخرى، أن رفض الاستعمار الفرنسي سوف يكلفهم الكثير.

ثالثا : أما سيلفانوس أوليمبيو، أول رئيس لجمهورية توجو وهى دولة صغيرة غرب إفريقيا، فقد أوجد حلًا وسطًا مع فرنسا، لم يُرِد لبلده أن تكون تحت الهيمنة الاستعمارية، لذلك رفض التوقيع على اتفاقية استمرار الاستعمار المقترحة من ديجول، لكنه وافق على دفع ضريبة سنوية مقابل ما سُميت الفوائد التي حصلت عليها جمهورية توجو من الاستعمار الفرنسي.

وذلك الشرط الوحيد لكى يغادر الفرنسيون البلاد دون تدميرها، لكن المبلغ الذى قدرته فرنسا لسداد ما أسمته “الديْن الاستعماري” كان يكلف ٪40 من الميزانية العامة لتوجو عام 1963.

وللحديث بقية

المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى